صائِدَةُ
السَّعادَةِ
اِسْتَيْقَظَتْ
عائِشَةُ في وَقْتٍ مُبَكِّرٍ مِنَ الصَّباحِ، وَعَلى وَجْهِها اِبْتِسامَةٌ عَريضَةٌ.
كانَ لَدَيْها أَسْبابٌ مُهِمَّةٌ تَدْفَعُها لِلنُّهوضِ مِنْ سَريرِها. كَما تَبْدَأُ
الشَّمْسُ حَرَكَتَها، كانَتْ هِيَ الأُخْرى تَبْدَأُ صَباحَها بِحَيَوِيَّةٍ وَبَهْجَةٍ.
ما إِنْ نَهَضَتْ حَتّى رَتَّبَتْ سَريرَها وَبَدَأَتْ تَسْتَعِدُّ لِلذَّهابِ إِلَى
المَدْرَسَةِ
كانَتْ تُحِبُّ مَدْرَسَتَها وَدُروسَها، وَكانَ لَدَيْها دافِعٌ ثَمينٌ يَجْعَلُها تَتَحَرَّكُ نَحْوَ القِسْمِ الَّذي تَطْمَحُ إِلَيْهِ لِتَقُومَ بِعَمَلٍ
يَعُودُ بِالنَّفْعِ عَلَى النّاسِ.
كانَتْ تَنْظُرُ إِلَى السَّلْبِيّاتِ في حَياتِها عَلى أَنَّها عَقَباتٌ يَجِبُ تَجاوُزُها، وَهِيَ ما سَيَدْفَعُها إِلَى الأَمامِ. وَكانَتْ تَشْعُرُ بِالفَرَحِ حَتّى بِالمَصْرُوفِ القَليلِ الَّذي يُعْطِيهِا والِدُها عِنْدَ ذَهابِها إِلَى المَدْرَسَةِ. كانَ سَعْيُها إِلَى الاكْتِفاءِ بِما لَدَيْها، رَغْمَ قِلَّةِ الإِمْكانيّاتِ، يُمْنِحُها شُعُوراً بِالسَّعادَةِ وَالنَّجاحِ.
أَمّا أَصْدِقاؤُها، فَلَمْ يَكُنْ لَدَيْهِمْ نَفْسُ المَعْنَوِيّاتِ
وَالدَّوافِعِ. وَكانَتْ تَشْعُرُ بِالحُزْنِ مِنْ أَجْلِهِمْ. فَكَثيرٌ مِنْهُمْ كانُوا يُقارِنُونَ أَنْفُسَهُمْ بِمَنْ لَدَيْهِمْ إِمْكانيّاتٌ أَفْضَلُ. فَإِنْ أُعْطُوا المَصْرُوفَ الَّذي يَتَوَقَّعُونَهُ سَعِدُوا، وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا بَدَتْ تَعاسَتُهُمْ واضِحَةً. كانُوا يَتَصَرَّفُونَ وِفْقَ مَعايِيرِ الآخَرينَ حَتّى في اِخْتِيارِ المَلابِسِ، أَوْ عَبْرَ وَسائِلِ التَّواصُلِ الاِجْتِماعِيِّ، أَوْ في اِخْتِياراتِهِمِ المِهْنِيَّةِ. حاوَلَتْ عائِشَةُ أَنْ تَشْرَحَ لِصَديقاتِها هذَا الوَضْعَ المُزْعِجَ الَّذي يَعِشْنَهُ، وَلكِنْ دُونَ جَدْوَى.
ذَهَبَتْ مُسْرِعَةً إِلَى المَطْبَخِ، فَهِيَ عادَةً لا تَأْكُلُ مِنْ مَقْصَفِ المَدْرَسَةِ، بَلْ تَأْخُذُ مَعَها شَيْئاً مِنَ البَيْتِ. وَكانَ هذَا اليَوْمُ يَوْمَ شَطيرَتِها المُفَضَّلَةِ بِالشُّوكولاتَةِ. أَعَدَّتْ أَيْضاً شَطائِرَ صَغيرَةً لِصَديقاتِها. أَحْياناً كانَتْ تُحْضِرُ لَهُنَّ المَزيدَ، وَأَحْياناً أُخْرَى كانَتْ تُشارِكُهُنَّ شَطيرَتَها. مُشارَكَةُ الأَشْياءِ كانَتْ دائِماً تُنْبِتُ البَهْجَةَ في قَلْبِها.
كانَتْ تَشْعُرُ بِالحُزْنِ عِنْدَما تَرى عَلَى التِّلْفازِ الأَطْفالَ الَّذينَ يُواجِهُونَ الجُوعَ، وَكانَ ذلِكَ يَزيدُها شُكْراً وَاِمْتِناناً لِما بَيْنَ يَدَيْها. لَمْ تَكُنْ تَطْلُبُ مِنْ عائِلَتِها شَيْئاً يَتَجاوَزُ إِمْكانيّاتِهِمْ، وَلَمْ تُلِحَّ يَوْماً. كانَ يَكْفي أَنْ يُشْتَرى لَها شَيْءٌ بَسيطٌ لِتَشْعُرَ بِالسَّعادَةِ.
وَقَدْ لاحَظَتْ أُخْتُها الكُبْرَى ذلِكَ، فَاِشْتَرَتْ لَها يَوْماً دَفْتَراً صَغيراً بِغِلافٍ وَرْدِيٍّ. وَقالَتْ لِخالَتِها الَّتي كانَتْ تَزُورُهُمْ آنَذاكَ: "شاهِدي كَيْفَ سَتَفْرَحُ عِنْدَما أُعْطيها هذَا". وَبالفِعْلِ، فَرِحَتْ عائِشَةُ بِذلِكَ الدَّفْتَرِ الصَّغيرِ فَرَحاً شَديداً. لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ، وَلَكِنْ سُلُوكُها هذَا كانَ يُعْجِبُ مَنْ حَوْلَها، وَيَدْفَعُهُمْ لِتَحْفِيزِ أَنْفُسِهِمْ عَلى إِسْعادِها مِنْ جَديدٍ. لِأَنَّ الإِنْسانَ، عِنْدَما يُبْذِلُ جُهْداً لِإِسْعادِ غَيْرِهِ، ثُمَّ يَرى السَّعادَةَ عَلى وَجْهِهِ، يَشْعُرُ بِأَنَّهُ قَدْ حَقَّقَ النَّجاحَ.
وَعَلى
النَّقِيضِ، مَنْ ذا الَّذي يُرِيدُ إِسْعادَ شَخْصٍ لا يُقَدِّرُ الإِيماءَةَ الجَميلَةَ
أَوِ الهَدِيَّةَ المُعْطاةَ، بَلْ يَسْتَخِفُّ بِها وَلا تُعْجِبُهُ؟
وَالحَقِيقَةُ أَنَّ عائِشَةَ، كَما قالَتْ صَديقاتُها، لَمْ تَكُنْ مَحْظُوظَةً، وَلا كانَتْ "بُولِيانا" (الَّتي تَرى كُلَّ شَيْءٍ إِيجابِيّاً). بَلْ كانَتْ صائِدَةَ سَعادَةٍ تَعَلَّمَتْ باكِراً أَنْ تَنْظُرَ إِلَى الحَياةِ مِنْ زاوِيَتِها الواقِعِيَّةِ. وَكانَ سِلاحُها الَّذي لا يُفارِقُها، وَالَّذي يَجْلِبُ لَها السَّعادَةَ، هُوَ الرِّضا بِما قَسَمَ اللهُ لَها. إِنَّهُ سِلاحٌ عَجيبٌ يَأْتِيها بِالسَّعادَةِ، يَجْعَلُ قَلْبَها مُمتَلِئاً بِالشُّكْرِ، وَلِسانَها لا يَكُفُّ عَنِ الاِمْتِنانِ، وَيَزيدُها صَبْراً عَلى ما مَضى...
الرِّضا بِما قُسِمَ لَكَ، يا لَهُ مِنْ راحَةٍ عَظيمَةٍ.
أَمّا صَديقاتُها اللَّواتي لَمْ يَنْجَحْنَ في أَنْ يَكُنَّ "صائِداتٍ"،
فَما نالَهُنَّ إِلّا أَنْ صِرْنَ فَريسَةَ المُقارَناتِ، وَعَدَمِ الرِّضا، وَنُكْرانِ النِّعْمَةِ، وَمِنْ ثَمَّ الاِنْزِلاقِ نَحْوَ التَّعاسَةِ...
منذ
أن وُجد الإنسان على وجه الأرض،
لم يتغيّر أعظم صديقٍ له ولا أعتى عدوٍّ يواجهه.
ذلك الشخص في المرآة...
إن
"نظرية التصميم التجريبي" قد جعلت من الغاية الحقيقية للإنسان غايتها العليا،
وتهدف
إلى توجيه الإنسان نحو وعيٍ صافٍ يمكّنه من اتخاذ القرارات الصائبة والاختيارات الصحيحة.
كما تقدّم استراتيجياتٍ لحلولٍ حقيقية للمشكلات.
وتأتي
برامجها التي تبدأ بـ "مَن هو مَن"،
وتتواصل
مع "الاحتراف في العلاقات" و "سيكولوجية النجاح"،
لتسهم
في جعل الناس أكثر سعادةً ونجاحًا قياسًا بيومهم بالأمس.
مقال رائع جدًا — أحببت التشبيه بين اتخاذ القرار المبني على واقعية وتحويله إلى فعل فعلي. بالفعل، الفارق بين النجاح والفشل يبدأ من اتخاذ القرار الصحيح في وقت مناسب. شكرًا لمشاركتك هذه الرؤية الملهمة 🥰
YanıtlaSilشكرا جزيلا
YanıtlaSil